كتاب تفسير سفيان الثورى للإمام ابى عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى الكوفى المتوفى سنة 168هـ، رواية أبى جعفر محمد عن ابى حذيفة النهدى عنه، وهو أحد الأئمة الخمسة المجتهدين وكان والده سعيد بن مسروق ابو سفيان من محدثى الكوفة الثقات وثقة أبن معين وأبو حاتم والنسائى، وأم سفيان كانت ذات زهد وورع وهى أنها قالت لسفيان "أذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلى، فإذا كتبت عدد أحاديث فانظر هل تجد فى نفسك زيادة، فاتبعه، وإلا فلا تتبعنى". وأخواه عمر بن سعيد ومبارك بن سعيد كانا من أولى العلم والفضل ومن الحملة لأحاديث الرسول ذكرهما ابن قتيبية والمقدسى وابن حزم والحاكم والعسقلانى وغيرهم فى كتبهم. وله مؤلفات كثيرة منها: الجامع الكبير فى الفقه والإختلاف، والجامع الصغير، وكتاب الفرائض وكتاب آداب سفيان الثورى، وكتاب التفسير.

وكان سفيان الثورى يقول "سلونى عن المناسك والقرآن فإنى بهما عالم" وقال ابن مبارك "كتبت عن الف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان" وقال الإمام مالك فى حقه "إنما كانت العراق تجيش علينا بالدراهم والثياب ثم صارت تجيش علينا بالعلم منذ جاء سفيان" وقال الطبرى "كان فقيهاً عالماً عابداً ورعاً ناسكاً راويا للحديث ثقة أميناً على ما روى وحدث عن رسول الله " وقال الثورى نفسه "ما أستودعت قلبى شيئاً فخاننى" ولأجل ذلك بلغ عدد مروياته إلى ثلاثين الفاً. فكان رحمه الله من أكابر مفسرى عصره وكان علمه بالقرآن واسعاً جداً حتى كان يأخذ المصحف فلا يكاد يمر بآية إلا فسرها. وكان رحمه الله لا يقول فى القرآن برأيه بل كان يتبع ما قال به الصحابة والتابعون. ومذهب الإمام الثورى كمذهب الصحابة والتابعين فى تفسير القرآن وكانوا يرجحون المشى فى النار على القول بالرأى فى كتاب الله، لا لعدم البصيرة فيه ولا لغفلة عن خدمته، بل لأنه تعالى قد نهى عنه بقوله ﴿لا تقف ما ليس لك به علم﴾ ولأنه قال (من قال فى القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) ولأن أبا بكر الصديق قال "أى سماء تظلنى وأى أرض تقلنى لو قلت فى القرآن برأيى". فجاء كتاب التفسير الذى بين يدينا حاوياً لأسرار الصفات الإلهية الغامضة وجامعاً لقوانين الأخلاق العالية ومنطوياً على قصص الأمم الماضية. كما احتوى على القراءات والحديث والأصول والكلام والتاريخ وسير الرجال واللغة والأدب.

ولما لم يكن عندنا كتاب فى تفسير القرآن لأحد من هذه الطبقة العالية، بيد أن أبا جعفر ابن جرير الطبرى قد جمع فى تفسيره أكثر مروياتهم ولعبت بباقيها أيدى الزمان، لكن من الله تعالى علينا فوجد المحقق فى مكتبة رضا برامبور بالهند كتاباً صغيراً فى تفسير القرآن الكريم لسفيان الثورى فأخذ فى تصحيحه وترتيبه وتحشيته على منوال علمائنا المحققين. وتفسير الثورى لا توجد له نسخة سوى هذه النسخة وهى ناقصة من الأول والآخر كليهما، وسقط من بينها سورة محمد وسورة الدخان. ولم يتدخل المحقق فى النص بتغيير.

 
   
 

tafseer.althawry.rar