كتاب "المفردات فى غريب القرآن" لابى القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى ولد سنة 502 هـ وتوفى سنة 1108 هـ  وهو من أدباء وحكماء وعلماء أهل أصبهان عاش ببغداد وإشتهر بها حتى كان يقرن بالإمام الغزالى. وله كتب وآثار كثيرة منها: تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين، الذريعة إلى مكارم الشريعة –وقد قيل أن الإمام الغزالى كان يحمله دائما فى رحلاته لما فيه من فوائد، ومحاضرات الأدباء، والمفردات فى غريب القرآن –الذى بين يدينا.

قد وصف الراغب الأصفهانى بإنه أحد أئمة أهل السنة وذلك لأنه فى كتابه "المفردات فى غريب القرآن" يذهب مذهب أهل السنة ويرد على المعتزلة والجبرية والقدرية ويفند أقوالهم بالأدلة العقلية والنقلية. وهو أيضا تفسير جامع لما ورد فى القرآن الكريم من الكلمات الصمية وقد رتبه حسب الحروف الهجائية كما هو الشأن فى المعجمات اللغوية وبذلك كان من السهل على الباحث أن يحصل على مراده، وقد أدى إلى الباحثين خدمة كبرى بهذا الكتاب الذى أصبح من المراجع الهامة التى لا يستغنى عنها المشتغلون بدراسة القرآن الكريم وتفسيره. ونرى من هذا الكتاب أن الراغب الأصفهانى كان متمكناً من اللغة العربية تمكناً تاماً ومحيطاً بدقائقها وملماً بالنحو والصرف إلماماً جيداً. والكتاب ليس نافعاً فى علم القرآن فقط بل هو نافع فى كل علم من علوم الشرع فألفاظ القرآن هى لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه وعليه أعتماد الفقهاء والحكماء فى أحكامهم وحكمهم وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء فى نظمهم ونثرهم.

وقد تتبع المصنف مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجى على ترتيب حروف العجم معتبراً فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد وأشار فيه إلى المناسبات التى بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات. وتتبع كذلك تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة فبذلك يعرف إختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته نحو ذكر القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة. ونحو ذكره تعالى فى عقب قصة ﴿إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون﴾ وفى أخرى ﴿لقوم يتفكرون﴾ وفى أخرى ﴿لقوم يعلمون﴾ وفى أخرى ﴿لقوم يفقهون﴾ وفى أخرى ﴿لأولى الأبصار﴾ وفى أخرى ﴿لذى حجر﴾ وفى أخرى ﴿لأولى النهى﴾ ونحو ذلك.

وعلى سبيل المثال فهذا تفسير كلمة من باب الألف: أبا: الأب: الوالد ويسمى كل من كان سبباً فى إيجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره أباً، ولذلك يسمى النبى أبا المؤمنين، قال الله تعالى ﴿النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم﴾ وفى بعض القراءات: وهو أب لهم، وروى أنه قال لعلىّ (أنا وأنت أبوا هذه الأمة) وإلى هذا إشار بقوله (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببى ونسبى). ويسمى العم مع الأب أبوين وكذلك الأم مع الأب وكذلك الجد مع الأب قال تعالى فى قصة يعقوب ﴿ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً﴾ وإسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمهم، وبذلك سمى معلم الإنسان أباه. وقد حُمل قوله تعالى ﴿وجدنا أباءنا على أمة﴾ على ذلك أى علماءنا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى ﴿ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا﴾ وقيل فى قوله ﴿أن أشكر لى ولوالديك﴾ إنه عنى الأب الذى ولده والمعلم الذى علمه وقوله تعالى ﴿ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم﴾ إنما هو نفى الولادة وتنبيه أن التبنى لا يجرى مجرى البنوة الحقيقية.

وعلى هذا فهو تفسير شامل لألفاظ القرآن الكريم ولم يتدخل المحقق فى النص بتغيير.

 
   
   

mofradat.alquran.rar